تطورات شبه الجزيرة الكورية

شبه الجزيرة الكورية من الألف إلى الياء

تطورات شبه الجزيرة الكورية

تصنيف جبل كوم كانغ ضمن مواقع التراث العالمي

2025-07-23

ⓒ KBS News
تم تصنيف جبل "كوم كانغ" في كوريا الشمالية ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وبعد إدراج مجمع مقابر "كوغوريو" في عام 2004، و"المعالم والمواقع التاريخية في مدينة "كيسونغ" في عام 2013، أصبح لدى كوريا الشمالية حاليا 3 مواقع مدرجة في قائمة التراث العالمي. ونظرا لأن جبل "كوم كانغ" اشتهر دائما بلقب "أجمل جبل تحت السماء"، فمن المتوقع أن يؤدي إدراجه مؤخرا ضمن قائمة اليونسكو إلى تغييرات جوهرية في السياحة الكورية الشمالية.

في يوم 13 يوليو، وردت أنباء سارة من العاصمة الفرنسية باريس، حيث أدرجت منظمة اليونسكو جبل "كوم كانغ" في كوريا الشمالية ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، وذلك خلال اجتماعات الدورة السابعة والأربعين للجنة التراث العالمي التي عقدت في الفترة من 6 إلى 16 يوليو. وتشمل المواقع التي أُدرجت حديثا أيضا النقوش الصخرية على طول نهر "بان غو تشون" في مدينة "أولسان" في جنوب شرق كوريا الجنوبية، والتي توفر لمحة حية عن الحياة في عصور ما قبل التاريخ في شبه الجزيرة الكورية. 

 "إي يونغ جونغ" مدير مركز الدراسات الكورية الشمالية في معهد كوريا للأبحاث للاستراتيجية الوطنية:
بينما يشتهر جبل "بيك دو" في كوريا الشمالية بوجوده المهيب والرائع، يشتهر جبل "كوم كانغ" بجماله المتغير، والذي يكشف عن سحر مختلف في كل فصل، فهناك أوراق الخريف النابضة بالحياة، ومناظر الثلوج الشتوية الهادئة، وأزهار الربيع الرقيقة، والشلالات المنعشة في الصيف. ومن المرجح أن هذه الخصائص الرائعة قد عززت من إمكانية إدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي. ويبلغ ارتفاع أعلى نقطة في الجبل، وهي قمة "بيرو"، 1638 مترا. ويوفر الجبل مناظر طبيعية ساحرة حيث تتعايش الصخور ذات الأشكال الفريدة والشلالات والبرك في انسجام. ويقع الجبل عبر منطقتيْ "تونغ تشون" و"كوصونغ" في مقاطعة "كانغ وان"، ويمتد نحو البحر، ويُطلق على الجزء المطل على البحر اسم "هيه كوم كانغ"، أو "كوم كانغ" البحري، في إشارة إلى المنطقة الساحلية القريبة من الجبل. قبل تقسيم شبه الجزيرة الكورية، كان طلاب سيول يذهبون في رحلة إلى هذا الجبل. وكانوا يسافرون بالقطار على طول خط "كيونغ وان"، وهي تجربة لا تُنسى ألهمت الأغنية الشهيرة "لنذهب إلى جبل كوم كانغ". ومن المثير للاهتمام، وفقا لموسوعة الثقافة الكورية التي نشرتها أكاديمية الدراسات الكورية، أن الفولكلور المحلي يقول إنه يجب على المرء أن يزور جبل "كوم كانغ" مرة واحدة على الأقل في حياته لتجنب الذهاب إلى الجحيم بعد الموت.

يعتبر جبل "كوم كانغ" أحد أشهر الجبال في شبه الجزيرة الكورية إلى جانب جبل "بيك دو". ويقع جبل "كوم كانغ" وسط سلسلة جبال "تيه بيك"، التي تشكل العمود الفقري لشبه الجزيرة الكورية، وينقسم إلى "كوم كانغ" الداخلي في الغرب و"كوم كانغ" الخارجي في الشرق، مع قمة "بيرو"، أعلى قمة بين قمم الجبل البالغ عددها 12 ألفا. ويتميز جبل "كوم كانغ" بجباله ووديانه وأشجاره الجميلة وغيرها من المواقع ذات المناظر الخلابة. ويتغير جماله على مدار العام، وبالتالي فقد حصل على أسماء مختلفة لكل فصل. واسم الجبل له جذور عميقة في التقاليد البوذية، ويعكس أصل هذا الاسم القيمة التقليدية والتاريخية المهمة للجبل كمركز للدين البوذي في شبه الجزيرة الكورية. وإدراكا لقيمة هذا الجبل الاستثنائية، ظلت كوريا الشمالية تسعى للحصول على اعتراف اليونسكو من خلال تقديم طلب لإدراجه في قائمة التراث العالمي.

منذ تولي "كيم جونغ أون" السلطة، ظلت كوريا الشمالية تشارك بنشاط في اتفاقيات وبرامج اليونسكو المتعلقة بالتراث. ومن خلال برامج بث متنوعة، تعرض كوريا الشمالية الآثار الثقافية الخلابة لجبل "كوم كانغ"، بما في ذلك صومعة "بو دوك" الصغيرة التابعة لمعبد "بيو هون"، وهو المعبد الوحيد الباقي من بين المعابد الأربعة الرئيسية في الجبل.

سعت كوريا الشمالية بحماس للحصول على اعتراف اليونسكو بجبل "كوم كانغ"، من خلال تقديم طلب شامل تضمن أكثر من 600 صفحة. وأوصى المجلس الدولي للآثار والمواقع والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وهما هيئتان استشاريتان للجنة التراث العالمي، بإدراج جبل "كوم كانغ" في قائمة التراث العالمي، وهو ما حدث بالفعل في النهاية. ويمثل هذا التصنيف المرموق نقطة تحول في السياحة إلى الجبل.

"إي يونغ جونغ":
من المرجح أن تجد كوريا الشمالية مخرجا من خلال جذب السياح من الصين وروسيا أيضا. وفي العام الماضي، سعت كوريا الشمالية إلى جذب مستثمرين أجانب إلى منطقة "وان سان" السياحية الدولية. وفي حقبة ما بعد جائحة كورونا، أعربت كوريا الشمالية عن نيتها تعزيز السياحة، لكن يبدو أنه من الصعب عليها القيام بذلك دون معالجة قيود العقوبات الدولية أولا. ومع ذلك، لا يزال بإمكانها تنفيذ مشروعات سياحية، وإن كان ذلك بقدر محدود، مع دول مثل الصين وروسيا، التي تتخذ موقفا وديا تجاه كوريا الشمالية.

لإحياء السياحة الدولية، قررت كوريا الشمالية في عام 2014 إنشاء منطقة سياحية دولية في منطقة "وان سان". وعقب هذا القرار، تم تنظيم جلسات إحاطة استثمارية في كل من كوريا الشمالية والصين. ومع ذلك، فقد المشروع السياحي زخمه بسبب العقوبات الدولية وإغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا. وفي عام 2024، حاولت كوريا الشمالية مرة أخرى جذب المستثمرين الأجانب لنفس المنطقة السياحية الدولية. كما بدأت وكالة سفر روسية في تسويق باقات سياحية في كوريا الشمالية، خاصة جبل كوم كانغ. والواقع أن السياحة في جبل "كوم كانغ" كانت في الأصل رمزا للتعاون بين الكوريتين.

يعود تاريخ السياحة في جبل "كوم كانغ" إلى عام 1989، عندما سافر "جونغ جو يونغ" الرئيس الفخري لمجموعة "هيون ديه"، إلى كوريا الشمالية والتقى بـ"كيم إيل سونغ" لتوقيع اتفاقية لتطوير برنامج سياحي في جبل "كوم كانغ". وبعد ذلك في عام 1998، قام "جونغ" بزيارة مهمة أخرى إلى كوريا الشمالية، حيث قاد قطيعا من الماشية لإهدائه إلى الشمال، واتفق مع الزعيم الكوري الشمالي آنذاك "كيم جونغ إيل" على مشروع السياحة في جبل "كوم كانغ"، مما أدى إلى إطلاق برنامج سياحي في ذلك الجبل ذي المناظر الخلابة. وأخيرا، تمكن السياح الكوريون الجنوبيون، الذين طالما حلموا بزيارة جبل "كوم كانغ"، من رؤية ذلك الجبل لأول مرة منذ تقسيم شبه الجزيرة الكورية، حيث تأثروا بشدة وغنوا تلقائيا أغنية الأطفال التي تبدأ بـ"لنذهب إلى جبل كوم كانغ". ونمت أعمال السياحة بسرعة كبيرة، حيث بدأت الجولات السياحية الرسمية في عام 2003. وفي العام التالي، تم تقديم خيارات سياحية متنوعة لجذب المزيد من الزوار. وفي عام 2005، تجاوز العدد الإجمالي لزوار الجبل مليون زائر. وفي عام 2008، بينما كان البرنامج السياحي يسير بسلاسة، أدى حادث غير متوقع إلى وقف هذا المشروع المزدهر فجأة.

"إي يونغ جونغ":
في يوليو 2008، أطلق جندي كوري شمالي النار على سائحة كورية جنوبية تدعى "بارك وانغ جا" كانت تمشي على الشاطئ، ربما لاعتقاده أنها متسللة، مما أدى إلى مقتلها. وأتمنى لو أن كوريا الشمالية تعاملت مع الموقف بمسؤولية أكبر في ذلك الوقت. وقد قدمت كوريا الجنوبية ثلاثة شروط لاستئناف البرنامج السياحي، هي: الاعتراف بالخطأ وتقديم اعتذار رسمي، والالتزام بمنع وقوع حوادث مماثلة، وإجراء تحقيق شامل. ولكن للأسف، لم تستجب كوريا الشمالية لمطالب كوريا الجنوبية. وبالنسبة لكوريا الجنوبية، كان من الضروري ضمان سلامة مواطنيها، وكان من غير المعقول الاستمرار في إرسال السياح في ظل عدم القدرة على ضمان أمنهم. وبالتالي، تم تعليق البرنامج السياحي.

توقفت السياحة في جبل "كوم كانغ" بعد حادثة إطلاق النار المأساوية التي طالت سائحة كورية جنوبية. وظل المشروع معلقا إلى أجل غير مسمى مع تجميد العلاقات بين الكوريتين في أعقاب إغراق السفينة الحربية الكورية الجنوبية "تشون آن"، وقصف جزيرة "يون بيونغ" في عام 2010. ومع ذلك، ظهرت لحظة أمل قصيرة في سبتمبر 2018 خلال القمة بين الكوريتين في بيونغ يانغ، عندما التقى الرئيس الكوري الجنوبي آنذاك "مون جيه إين" مع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون". لكن موقف كوريا الشمالية تغير بعد قمتها الثانية مع الولايات المتحدة.

"إي يونغ جونغ":
في فبراير 2019، انهارت القمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في "هانوي" عاصمة فيتنام. ومن وجهة نظر "كيم جونغ أون"، كانت هذه هزيمة مذلة جرحت كبرياءه بشدة، ولذلك قام بتوجيه إحباطه نحو كوريا الجنوبية من خلال توجيه إهانات شديدة اللهجة. ولاحقا، زار الزعيم الكوري الشمالي جبل "كوم كانغ" وقال: "أزيلوا تماما المرافق الكورية الجنوبية المتهالكة. إن مجرد النظر إليها يجعلني غير سعيد". ووفقا لتعليماته، شرعت كوريا الشمالية في هدم المرافق، بما في ذلك فندق "هيه كوم كانغ" وملعب الغولف ومنزل الاستراحة "أون جون غاك" ومطعم المأكولات البحرية "كو صونغ بورت". وما يثير الحزن بوجه خاص هو هدم مرفق لم شمل العائلات المنفصلة. ومن خلال إزالة مركز لم الشمل هذا، يبدو أن "كيم جونغ أون" استهدف محو الرؤية التاريخية التي كان يحملها أسلافه، وهي أن الكوريتين يجب أن تعملا من أجل إعادة التوحيد.

بعد فشل القمة الثانية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق، حوّل "كيم جونغ أون" تركيزه السياسي نحو جبل "كوم كانغ".

ونظرا لتأثير التوتر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة سلبا على العلاقات بين الكوريتين، قامت كوريا الشمالية بتفكيك المرافق السياحية المملوكة لشركة "هيون ديه أسان" الكورية الجنوبية والحكومة الكورية الجنوبية، كما تم التأكد من هدم مركز لم شمل العائلات المنفصلة، الذي كان آخر مرفق حكومي كوري جنوبي متبقٍ في المنتجع الجبلي.

في عام 2020، قام رئيس الوزراء الكوري الشمالي بتفقد الجبل، وأعرب عن رؤيته في تطوير تلك المنطقة لتصبح منتجعا عالميا. ومن المتوقع أن يكون لتصنيف جبل "كوم كانغ" مؤخرا كثالث موقع تراثي عالمي في كوريا الشمالية دور حاسم في تنشيط قطاع السياحة في البلاد وجذب المزيد من السياح. والآن، يثور هذا السؤال: هل يمكن أن يفتح هذا الاعتراف قنوات للحوار والتواصل بين الكوريتين؟

"إي يونغ جونغ":
آمل أن يشجع التسجيلُ الأخير كوريا الشمالية على الاستجابة الإيجابية للتعاون بين الكوريتين في مجال السياحة. في الواقع، لا تقتصر السياحة بينهما على جبل "كوم كانغ" فقط. ففي السابق، كانت هناك مناقشات حول إمكانية الربط بين جبل "سوراك" في كوريا الجنوبية وجبل "كوم كانغ" في كوريا الشمالية. على سبيل المثال، قد تعمل الكوريتان على برنامج سياحي جديد بحيث يمكن للسياح الذين يختبرون ثقافة "هالليو" في سيول زيارة جبل "سوراك" أولا والسفر على طول الساحل الشرقي لزيارة جبل "كوم كانغ" قبل العودة. أو بدلا من ذلك، يمكن للمسافرين الذين يزورون جبل "كوم كانغ" تمديد رحلتهم إلى جبل "سوراك" ثم سيول. وبدون برامج سياحية متكاملة مثل هذه، سيظل جبل "كوم كانغ" وجهة معزولة داخل كوريا الشمالية. 

اعترف العالم بقيمة جبل "كوم كانغ" من خلال إدراجه ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. ونأمل أن يمهد هذا الإنجازُ الطريقَ لاستئناف برنامج جولات جبل "كوم كانغ"، مما يتيح للناس في الكوريتين معا استكشاف هذا المعلم الوطني المحبب.

أحدث الأخبار