تطورات شبه الجزيرة الكورية

شبه الجزيرة الكورية من الألف إلى الياء

تطورات شبه الجزيرة الكورية

كوريا الشمالية في كأس العالم لكرة القدم

2024-01-24

ⓒ Getty Images Bank
تبقى حوالي 870 يوما على انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم، التي تعد أكبر حدث رياضي في العالم، في يوم 11 يونيو 2026. وقد حقق فريق كرة القدم الوطني الكوري الجنوبي، بقيادة المدرب "يورغن كلينسمان"، انتصارين متتاليين بفوزه على سنغافوره والصين في الجولة الثانية من التصفيات الآسيوية التي انطلقت العام الماضي. ومع ذلك، لم يتخل المنتخب الكوري الجنوبي عن حذره أبدا.

تسعى كوريا الجنوبية إلى التأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الحادية عشرة على التوالي، بعد أن ظلت تتأهل منذ بطولة كأس العالم في المكسيك في عام 1986. وتشارك كوريا الشمالية أيضا في التصفيات الآسيوية المؤهلة لبطولة كأس العالم لعام 2026، والتي سوف تستضيفها ثلاث دول من أمريكا الشمالية معا، هي: الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. إذن، كيف كان أداء كوريا الشمالية في بطولات كأس العالم السابقة؟ وما مدى قوة فريقها الوطني لكرة القدم؟ 

في أغسطس من العام الماضي، أعربت كوريا الشمالية عن عزمها المشاركة في التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم لعام 2026، بعد سنوات من إغلاق حدودها والامتناع عن المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية خلال جائحة كورونا. 

"صونغ مون جونغ 성문정" الباحث في المعهد الكوري للعلوم الرياضية:
تلعب كوريا الشمالية في مجموعة تضم اليابان وسوريا وميانمار. وقد خسرت أمام سوريا بنتيجة صفر مقابل واحد لكنها حققت فوزا ساحقا على ميانمار بنتيجة 6 مقابل واحد. وقد تساءل الكثيرون عما إذا كانت كوريا الشمالية ستشارك في التصفيات الآسيوية لكأس العالم 2026، وعما إذا كان لاعب كرة القدم الكوري الشمالي الشهير "هان كوانغ سونغ" سيلعب مع منتخب بلاده، لأن البعض توقع أن يشارك "هان" في دورة الألعاب الآسيوية في "هانغتشو" العام الماضي، لكنه لم يفعل. أما في التصفيات الآسيوية لبطولة كأس العالم، فقد اجتمع لاعبو كرة القدم الكوريون الشماليون الذين احترفوا سابقا في أوربا، بمن في ذلك "هان". وأعتقد أن هذا له دلالة كبيرة.

في عام 2019، شاركت كوريا الشمالية في التصفيات الآسيوية لبطولة كأس العالم لعام 2022 في قطر، لكنها انسحبت لاحقا من التصفيات في أعقاب جائحة كورونا. وبالعودة إلى تصفيات كأس العالم الآسيوية بعد حوالي 4 سنوات، حققت كوريا الشمالية فوزا كاسحا على ميانمار. وسجل نجم كرة القدم الكوري الشمالي "هان كوانغ سونغ"، الذي احترف سابقا في أوربا والشرق الأوسط، هدفا في تلك المباراة، مما رفع التوقعات بشأن صعود كوريا الشمالية إلى نهائيات كأس العالم. إذن، منذ متى تشارك كوريا الشمالية في بطولات كأس العالم؟

"صونغ مون جونغ 성문정":
تأهلت كوريا الشمالية إلى بطولة كأس العالم في عام 1966 لأول مرة، ثم في عام 2010. وقد كان فوز كوريا الشمالية المفاجئ على إيطاليا في عام 1966 موضوعا كثر الحديث عنه، فلم يكن أحد يتوقع تلك النتيجة المذهلة. وفي ذلك الوقت، كانت احتمالات فوز كوريا الشمالية ببطولة كأس العالم منخفضة، حيث قُدرت بـ1% فقط. وتوقع معظم المحللين أن تخسر كوريا الشمالية أمام إيطاليا في دور المجموعات. وقد سجل اللاعب الكوري الشمالي "باك دو إيك 박두익" هدف المباراة، وكان معروفا جدا بين لاعبي كرة القدم الكوريين الجنوبيين. وبالفوز على إيطاليا، تمكنت كوريا الشمالية من الوصول إلى الدور ربع النهائي، لكنها خسرت أمام البرتغال. ورغم الخسارة، سجلت كوريا الشمالية 3 أهداف أمام البرتغال، وهذا يبين أن المنتخب الكوري الشمالي قدم أداء متميزا.

ظهرت كوريا الشمالية لأول مرة في كأس العالم لعام 1966 في إنغلترا، وأحدثت ضجة كبيرة بفوزها على منتخب إيطاليا الذي يعتبر أحد أفضل الفرق عالميا، لتتأهل إلى الدور ربع النهائي وتصبح أول فريق آسيوي يتأهل على الإطلاق لتلك المرحلة. وحتى الآن، يتم ذكر تلك المباراة باعتبارها واحدة من أعظم حالات الفوز المفاجئ في تاريخ كأس العالم. لكنها فشلت بعد ذلك في الوصول إلى نهائيات بطولات كأس العالم، إما بسبب الخروج من التصفيات أو التغيب. وفي عام 2010، شهدت كرة القدم في كوريا الشمالية نهضة، حيث استطاع منتخبها الوطني أن يتأهل إلى بطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا لعام 2010، مع انضمام لاعبين مولودين في اليابان، مثل "آن يونغ هاك" و"جونغ تيه سي".

ورغم أن كوريا الشمالية لم تفز بأي مباراة في تلك البطولة، إلا أنها أدهشت العالم بدفاعها القوي للغاية، بل وسجلت هدفا في مرمى البرازيل صاحبة أكبر عدد من ألقاب كأس العالم. وبذلك حققت كوريا الشمالية نتيجة أهم من الفوز، في أكبر مهرجان لكرة القدم في العالم. وبعد عودتهم إلى بلادهم، استقبل مواطنو بيونغ يانغ لاعبي المنتخب الوطني في الشوارع. ففي الواقع، تعتبر كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية في كوريا الشمالية.

"صونغ مون جونغ 성문정":
روجت كوريا الشمالية لكرة القدم منذ سنوات مؤسس النظام "كيم إيل سونغ"، قائلة إنها إحدى الرياضات التي تناسب أجساد الكوريين. وبثت كوريا الشمالية مباريات كرة القدم الدولية كثيرا في عام 2022، مما يشير إلى مدى شعبية كرة القدم في البلاد. وعلى عكس كوريا الجنوبية، لا يوجد في كوريا الشمالية دوري احترافي لكرة القدم. ومع ذلك، تقام مباريات كرة القدم في المهرجان الرياضي الوطني. ويوجد في الشمال العديد من الأندية الرياضية، وتعقد فرق كرة القدم في تلك الأندية الرياضية مباريات فيما بينها، مما يسهم في تزايد شعبية كرة القدم.

يتبين اهتمام كوريا الشمالية الشديد بكرة القدم في وسائل الإعلام المحلية. فخلال بطولة كأس العالم لعام 2022 في قطر، بثت كوريا الشمالية مباريات مسجلة مسبقا وملخصات للمباريات أيضا. كما تدير كوريا الشمالية بطولة دوري لكرة قدم لغير المحترفين، حيث تعقد مباريات بين فرق كرة القدم في الأندية الرياضية، مثل نادي "25 أبريل" الرياضي ومقره بيونغ يانغ، ونادي "كيغ وان تشا" الرياضي الذي ينتمي إلى السكك الحديدية الحكومية. ويوجد في كوريا الشمالية أيضا مدرسة لكرة القدم تعمل على رعاية اللاعبين الموهوبين.

"صونغ مون جونغ 성문정":
افتتحت كوريا الشمالية مدرسة بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم في عام 2013. تقوم هذه المدرسة باختيار الأطفال الموهوبين لتلقي تدريب منهجي في فصل المبتدئين أو الفصل المتقدم. ويبدو أن لاعبي كرة القدم المشهورين الذين سبق لهم اللعب مع المنتخب الوطني يعملون في تلك المدرسة. كما قامت المدرسة بدعوة مدربي كرة قدم مشهورين من دول أوربية، بما في ذلك إيطاليا، وأرسلت أيضا لاعبين متميزين للاحتراف في أوربا.
معظم اللاعبين الذين يُظهرون مهارات متميزة على الساحة الدولية لكرة القدم يتلقون تدريبا منهجيا منذ الطفولة. وتقوم كوريا الشمالية أيضا بمحاكاة برامج التدريب لدى أقوى فرق كرة القدم.

افتتحت كوريا الشمالية مدرسة بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم في عام 2013 وفقا لرؤية زعيمها "كيم جونغ أون" لبناء دولة ذات قوة رياضية. وتوفر المدرسة أفضل تعليم للطلاب الذين يتم اختيارهم من جميع أنحاء البلاد. وسعيا لعولمة كرة القدم الكورية الشمالية، تقوم المدرسة بتعليم الطلاب اللغة الإنغليزية والكمبيوتر بالإضافة إلى كرة القدم. ويتم إرسال الطلاب ذوي المهارات المتميزة إلى الخارج، خاصة إلى أوربا، لتلقي المزيد من التدريب. ومن بين أولئك، اللاعب "هان كوانغ سونغ"، الذي التحق أيضا بمدرسة بيونغ يانغ الدولية لكرة القدم.

"صونغ مون جونغ 성문정":
بعد افتتاح مدرسة كرة القدم، تم إرسال 14 طالبا كوريا شماليا إلى إسبانيا و15 إلى إيطاليا بدعم حكومي. وكان "هان كوانغ سونغ" أحد 14 طالبا غادروا إلى إسبانيا. وقد تميز على أقرانه بالتأكيد، ففي عام 2015، لفت انتباه أكاديمية كرة القدم الإيطالية. وفي عام 2017، في السنة الرابعة من التدريبات في الخارج، انضم رسميا إلى فريق شباب "كاغلياري Cagliari " في دوري الدرجة الأولى الإيطالي. ثم تمت ترقيته على الفور إلى الفريق المحترف، وسجل هدفه الأول بعد أسبوع واحد فقط من بدايته الاحترافية. ويقول الكثيرون إن "هان"، المعروف باسم "رونالدو الكوري الشمالي"، يعادل لاعب كوريا الجنوبية "سون هُنغ مين".

وبالإضافة إلى "هان كوانغ سونغ"، لعب العديد من لاعبي كرة القدم الكوريين الشماليين في أوربا، بمن في ذلك "باك كوانغ ريونغ" و"جونغ إيل كوان" و"تشيه سونغ هيوك". ومن الواضح أن كوريا الشمالية بذلت الكثير من الجهد لرعاية الموهوبين في كرة القدم. فهل هناك سبب خاص لذلك؟

"صونغ مون جونغ 성문정":
من الممكن تدريب لاعبي كرة القدم دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة في المرافق، كما أن كرة القدم أكثر نشاطا من أي رياضة أخرى في السوق الرياضية الدولية. أعتقد أن كوريا الشمالية وجهت أنظارها إلى هذا المجال، حيث يمكن للاعب واحد جيد التدريب أن يحقق أرباحا أكثر من آلاف العمال في الخارج. و"هان كوانغ سونغ" مثال جيد على ذلك، فقد بلغت رسوم نقله حوالي 5 ملايين دولار أمريكي. ويُزعم أنه أرسل معظم راتبه إلى وطنه. ثم تعرضت مسيرته الرياضية لعقبات بسبب عقوبات الأمم المتحدة التي تطلب من الدول الأعضاء التوقف عن إصدار تصاريح عمل للعمال الكوريين الشماليين في الخارج وإعادتهم إلى وطنهم. ومع ذلك، من وجهة نظر كوريا الشمالية، فإن لاعبي كرة القدم المحترفين في الخارج، مثل "هان"، يشكلون مصدرا كبيرا للدخل. ولهذا السبب تستثمر كوريا الشمالية بكثافة في تدريب لاعبي كرة القدم.

أنشأت كوريا الشمالية مدرسة متخصصة لرعاية الموهوبين في كرة القدم، وهذا يعني أنها تهتم كثيرا بهذه الرياضة وتدعمها. ومنذ السنوات الأولى في منصبه، قدم "كيم جونغ أون" الدعم الكامل لكرة القدم، ويرجع ذلك جزئيا إلى إمكانية استخدام لاعبي كرة القدم لكسب العملات الأجنبية. فعندما ينضم لاعب كرة قدم موهوب إلى نادٍ مشهور، فإنه يحصل على رواتب ورسوم انتقالات لا يمكن للناس العاديين تخيلها. وبينما تسمح كوريا الشمالية للرياضيين باللعب في الخارج، فقد جمعت نسبة معينة من دخلهم. ولهذا السبب، صنف مجلس الأمن الدولي لاعبي كرة القدم الكوريين الشماليين في الخارج على أنهم عمال يكسبون عملات أجنبية للنظام الحاكم. وقد عادت كوريا الشمالية إلى الساحة الدولية لكرة القدم بعد 4 أعوام من الغياب بانضمامها إلى التصفيات الآسيوية المؤهلة لبطولة كأس العالم لعام 2026. فكيف سيكون أداء منتخبها الوطني في تلك التصفيات؟

"صونغ مون جونغ 성문정":
قد تكون بطولة كأس العالم لعام 2026 فرصة لكوريا الشمالية. في السابق، شاركت 32 دولة فقط في نهائيات كأس العالم، ولكن ستظهر العديد من الفرق في بطولة 2026، مما يعني زيادة عدد الفرق المشاركة في النهائيات. وسيكون لدى آسيا 8 أماكن مضمونة. وبالنظر إلى مستوى كرة القدم في كوريا الشمالية، يمكن باطمئنان توقع إدراجها في قائمة الثمانية تلك. يعتمد الأمر على مدى قوة العمل الجماعي في كوريا الشمالية، مقارنة بالدول الأخرى.

ظلت كوريا الشمالية تبدي اهتماما كبيرا بكرة القدم، وعملت بنشاط على تدريب الموهوبين في تلك اللعبة. ونحن نتساءل عن التأثير الذي سيحدثه ذلك على مستقبل هذه الرياضة في الدولة الشيوعية. 

أحدث الأخبار